[img]
[/img]
واصل الربيع العربي وما أعقبه من بزوغ الإسلاميين كالرابح الأكبر من ثورات هذا الربيع السيطرة علي تحليلات الكتاب الأمريكيين, حيث قدمت مجلتا تايم وفورين بوليسي قراءتين مختلفتين لصعود الإسلاميين في العالم العربي, ففي الوقت الذي اعتبرت فيه مجلة تايم أن الإسلاميين يمكن أن يشكلوا خيارا أفضل من الديمقراطيين, قائلة إن الليبراليين العرب أقل ديمقراطية من الإسلاميين, كتبت مجلة فورين بوليسي أن صعود الإسلاميين في عدد من الدول العربية هو مجرد خدعة, مشيرة إلي أن الانتصار الذي حققه الإسلاميون وأذهل الرأي العام كان مبالغا فيه.
فبالنسبة لمجلة تايم, أكد بوبي جوش محللها لشئون الشرق الأوسط والعالم العربي أن الحركات الإسلامية التي أحرزت انتصارات كبيرة في انتخابات ما بعد الربيع العربي تفهم الديمقراطية أكثر بكثير من القوي العلمانية والليبرالية التي واجهتها, مضيفا أن الاتهامات التي وجهت لتلك الحركات باستخدام المال أو الدعاية الكاذبة ليست مضخمة فحسب, بل تحمل في طياتها نظرة استعلائية من الليبراليين تجاه الناخبين الذين يجري الحديث عنهم علي أنهم سذج.
جاء ذلك في مقال جوش الأخير الذي كتبه تحت عنوان لماذا الإسلاميون أفضل من الديمقراطيين؟ وأوضح جوش أن موجة الانتصارات الانتخابية للإسلاميين لم تكن قاصرة علي دول الربيع العربي فحسب, بل امتدت إلي دول لم يمسها هذا الربيع بعد مثل المغرب, مشيرا إلي أن صعود الإسلاميين بدأ بالفوز الذي حققه حزب النهضة في تونس, ثم انتقل إلي المغرب بفوز حزب العدالة والتنمية, لينتهي بانتصار التيار الإسلامي في مصر بحزبيه الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين والنور التابع لحركة السلف.
وأضاف المحلل الأمريكي: هناك سؤال يجب طرحه قبل التساؤل عن أسباب فوز الإسلاميين وهو لماذا فشل الليبراليون الذين تزعموا الثورات في المنطقة في تحقيق نتائج جيدة بالانتخابات؟.
وكتب جوش: لقد سمعت مجموعة من الإجابات من الليبراليين حول أسباب هزيمتهم, وجميعهم اتفقوا في القاهرة وفي تونس, وحتي في المغرب, علي الأسباب نفسها, التي جاءت كالتالي: أنهم حاولوا تنظيم أنفسهم خلال ثمانية أشهر فقط, بينما ينشط الإخوان منذ80 سنة, إلي جانب أن الإسلاميين لديهم القدرة علي الإنفاق أكثر بكثير منهم بفضل الدعم السعودي والقطري, وكان من بين التبريرات أيضا أن الإخوان والتيار السلفي استخدما الدعاية الدينية لتضليل الكثير من الناخبين الأميين والفقراء.
وعلق جوش علي هذه الأسباب التي وردت علي لسان الليبراليين والعلمانيين قائلا بإنها غير مقنعة, مضيفا أن التيار السلفي حديث العهد بلعبة السياسة والانتخابات, حيث أن أحزابه الثلاثة في مصر علي سبيل المثال حديثة المنشأ, ولكنه تمكن من تحقيق مكاسب انتخابية كبيرة.
أما بالنسبة لنقطة التمويل فأجاب جوش علي تبريرات الليبراليين بالقول إن قوائمهم الانتخابية كانت هي أيضا تضم أثرياء بوسعهم الإنفاق علي حملاتهم, كما أن هيئات الرقابة الدولية لم تؤكد وجود عمليات تزوير لنتائج الانتخابات.
وأضاف قائلا: أما الحديث حول أن الإسلاميين خدعوا الناخبين فهذا يدل بالضرورة علي أن معظم الناخبين هم من السذج, معتبرا أن هذه النظرة من قبل الليبراليين تجاه الناخبين بسبب عدم التصويت لهم تشرح سلوكهم السياسي تجاه جمهورهم وتوفر المفتاح لفهم أسباب فشلهم الذريع.
واعتبر الكاتب أن التيارات الإسلامية فهمت حقيقة الديمقراطية أكثر بكثير من الليبراليين والعلمانيين في المنطقة, ودلل علي صحة قوله بالإشارة إلي مسارعة الإسلاميين في تونس والمغرب لإجراء تحالفات انتخابية مع قوي يسارية وعلمانية, وتأكيدهم المتكرر علي أنهم لا يسعون للحصول علي كرسي الرئاسة ولا يرغبون في فرض النموذج الإيراني في دولهم, الأمر الذي بدد الكثير من المخاوف حيال برنامجهم.
كما أشار إلي أن تلك القوي استثمرت بنجاح جهودها الخيرية التي بدأت قبل سنوات طويلة علي صعيد المستشفيات المجانية ومراكز تقديم الأغذية التي ساعدت من خلالها الطبقات الفقيرة, كما اقتنع الناس بأن التقوي التي تظهرها ستساعدها علي إنهاء الفساد في مجال الإدارة.
وخلص جوش في نهاية مقاله المطول إلي القول إن الاختبار الحقيقي لديمقراطية الإسلاميين يتمثل في تصرفهم خلال المرحلة التي تعقب الانتخابات, ولكنه توقع لهم النجاح في هذا الاختبار باعتبار أن الإسلاميين يواصلون محاولة بناء التحالفات مع القوي الأخري من جهة, إلي جانب أنهم بحاجة لسائر القوي لضمان الغالبية البرلمانية من جهة أخري.
أما بالنسبة لليبراليين, فقد دعاهم المحلل السياسي الأمريكي إلي تعلم كيفية التحول إلي معارضة بناءة في البرلمان, بدلا من العودة إلي الشوارع, وحضهم علي التحضير لانتخابات العامين المقبلين.
وعلي النقيض من الصورة الإيجابية التي رسمها جوش لصعود الإسلاميين في مقاله بمجلة تايم, وصفت مجلة فورين بوليسي الأمريكية الانتصارات التي حققها الإسلاميون في عدد من الدول العربية بأنه خدعة, مضيفة أن صعود الأحزاب الإسلامية الذي طغي علي وسائل الإعلام وأذهل الرأي العام كان مبالغا فيه إذا ما أخذ في الاعتبار حضور الإسلاميين الراسخ في المجتمعات العربية, سياسيا واقتصاديا واجتماعيا, إضافة إلي الدعاية الدينية, وهي في مجموعها أسباب- علي حد قول المجلة- تجعل عدم حصول هذه الأحزاب علي الأغلبية المطلقة هو الأمر المثير للدهشة.
وكتب خليل العناني الباحث في مدرسة الشئون الدولية في جامعة دورهام البريطانية والزميل الزائر سابقا في معهد بروكينجز في مقاله الذي نشرته مجلة فورين بوليسي في عددها الأخير تحت عنوان الصعود الوهمي للإسلاميين أن: الإسلاميين في مصر وتونس والمغرب لا يمكنهم أن يدعوا التفوق علي القوي السياسية الأخري, وسرعان ما سيتكشف أن انتصار القوي الإسلامية ما هو إلا ضرب من الوهم.
وأضاف: بالنسبة للإسلاميين في مصر, ورغم أدائهم الجيد في المرحلة الأولي ومع توقع استمرار نفس الأداء في المرحلتين القادمتين, فإنه لا يفترض حصولهم علي أغلبية كبيرة في البرلمان الجديد, حيث حصل حزب الحرية والعدالة علي6,36% فقط في الجولة الأولي برغم خبرته الطويلة في إدارة الحملات الانتخابية.
واعتبر العناني أن المفاجأة الحقيقية كانت في المكاسب التي حققها السلفيون ليس فقط بسبب الخطاب الإسلامي الساذج وغير الحكيم الذي يتبنونه- علي حد قوله- والذي ألقي بظلاله علي الإعلام في الأسابيع الأخيرة, ولكن لأنهم ينافسون الإخوان المسلمين وحزب الوسط.
وأضاف قائلا: إن أحد المخاوف التي يثيرها صعود الأحزاب الإسلامية هو قيام أتباعها باستخدام سلطاتهم لإعادة تشكيل المؤسسات السياسية لصالحهم, لكن في الحقيقة لن تغير الانتخابات من قواعد اللعبة لصالح القادمين الجدد وتمكنهم, ولن يكون أي من الأحزاب الإسلامية الصاعدة قادرا علي أن تكون له سلطة حقيقية, ولن تستطيع تلك الأحزاب تغيير الوضع الراهن لصالحها, فالهياكل الاستبدادية لا تزال جزءا لا يتجزأ من النظام, والنخبة القديمة لا تزال نابضة بالحياة, فالتركة الثقيلة المتبقية من حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي في تونس, ونظيره السابق حسني مبارك في مصر ستعرقل أي محاولة من جانب الحكومات الجديدة لتفكيك هذه الهياكل.
وخلص الكاتب في نهاية مقاله المطول إلي أنه مع عدم تشكيل الأحزاب الإسلامية في العالم العربي للحكومات الجديدة في دولها بشكل منفرد, فستكون هذه الأحزاب مضطرة إلي المساومة وبناء التحالفات, ومن ثم تقديم التنازلات التي ستكبح جماح طموحاتهم السياسية, حيث ستضطر لإظهار مرونة لتقاسم السلطة, حتي ولو كان ثمن ذلك هو التخلي عن أهداف الإسلاميين الأصلية مثل بناء الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة.